وقفات إرشاد بأحكام الجراد
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، وتبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور، وصلى الله على من أرسله نذيرًا وبشيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وجعله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا، وبعـد: فحديثنا في هذه الورقات عن شيءٍ انتشر في هذه الأيام، فاستبشر به كثير من الناس، واستاء منه بعض الناس، وقد خلقه الله نعمة ونقمة، فينعم على أناس فيكون أكلهم، ويعاقب آخرين فيأكل أكلهم، وسبحان الله! مخلوقٌ بديعٌ من خلق الله، ذكره الله في الكتاب وذكره رسولنا صلى الله عليه وسلم في صحيح السنة؛ لنقف وقرائنا على عظيم خلق الله، ثم نقف على بديع أحكام شرع الله، ثم نقف وقفة عظةٍ وعبرةٍ في يومٍ نساق فيه إلى الله. إن حديثنا عن جند من جنود الله، عن الجراد بديع خلقته ودقيق أحكامه. أخي الكريم.. إذا رأيت جرادة، فتأمل: الجراد مشتق من الجرد؛ لأنه إذا مر بمحلة جردها، وهو صنفان: صنف طيار وآخر وثاب، وكلها تجري بسرعة هائلة يعلمها الله، وإذا تأملت في خلقه، وجدت عظيم صنع الله، فقد ذكر أهل العلم أن في الجراد صنعة عشرة مخلوقات، فتأمل، مقدمتا نسر، وعين فيل، وعنق ثور، وقرنا إيل، وذنب حية، وساقاه ساقا نعامة، ورأسه رأس حصان، وبطنه بطن ثعبان، فسبحان الخالق الديان! لذا اختلف أهل العلم: هل هو من صيد البر أو البحر؛ فذهب كثير من السلف إلى أنه بالسمك أشبه، وهو نثرة حوت، وفيه حديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب جمع من الفقهاء أنه من صيد البر؛ لذا يحرم على المحرم بالحج والعمرة صيده، وهو قول جماهير الفقهاء رحمهم الله. إذا رأيت جرادة، فتذكر: • إذا أمسكت جرادة ووضعتها على كفك، ثم تأملت عينيها، فتذكر قوم يأجوج ومأجوج، قومٌ ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد بسند صحيح، فقال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا صغار الأعين عراض الوجوه؛ كأن أعينهم حدق الجراد.."، تذكر قومًا يخرجون آخر الزمان كأنهم الجراد، لا يمرون على أحد إلا قتلوه. • وإذا قلبت رجل جرادة فتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم في شر ماء على وجه الأرض، قال صلى الله عليه وسلم: " خير مـاء على وجـه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقبة حضرموت؛ كرجل الجراد من الهوام، تصبح تتدفق، وتمسي لا بلال بها"، ثم تعجب كيف ينسج بعض الجهلة –هذه الأيام- الخرافات حول ماء تلك الأماكن، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ماء برهوت هو شر ماء على وجه الأرض، في الحديث السابق والذي أخرجه الطبراني عن ابن عباس بسند صحيح. • وإذا نظرت إلى دبى الجراد - وهو الجراد الصغير الذي لا يطير- فتذكر أحوال الناس آخر الزمان، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "يا عائشة؛ قومك أسرع أمتي بي لحاقًا"، قالت: فلما جلس، قلت: يا رسول الله، جعلني الله فداك، لقد دخلت وأنت تقول كلامًا ذعرني، قال: "وما هو ؟"، قالت: تقول إن قومي أسرع أمتك بك لحاقًا، قال:"نعم"، قالت: ومم ذاك ؟ قال: "تستحليهم المنايا، وتنفس عليهم أمتهم"، قالت: فقلت: فكيف الناس بعد ذلك أو عند ذلك؟ قال: "دبى؛ تأكل شداده ضعافه حتى تقوم الساعة"، فاللهم سلم !! • وإذا رأيت أسراب الجراد أمامك تتطاير، لا وجهة لها، بعضها يتجه يمينًا والآخر شمالاً؛ يصطدم بعضها في بعض؛ فتذكر يوم يقوم الناس لرب العالمين، تذكر: ﴿ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ [القمر: 6- 7] تذكر يوم يقوم الناس من قبورهم يتخبطون كالجراد، لا يدرون إلى أين وجهتهم، والملائكة تسوقهم إلى الله، ﴿ الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ﴾ [القارعة: 1- 4]. حكم طهارته: الجراد من الحشرات، والحشرات على قسمين: الأول: له دم سائل له، والثاني: لا دم سائل له، وأما الذي له دم يسيل فينجس بموته، وتتنجس به المائعات القليلة، وأما الذي لا دم له سائل؛ كالجراد، فهو طاهر حيًا وميتًا، ولا يُنجس شيء. حكم صيده وبيعه: والجراد من صيد البر، وينبني على ذلك حكمان: الأول: أنه سبقٌ لمن صاده؛ فيحل له أن يأكله وأن يبيعه. والثاني: أنه يحرم على المحرم بالحج والعمرة أو من دخل حدود الحرم أن يصيده، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: 95]، فليتنبه إخواننا الذين عزموا على العمرة هذه الأيام؛ فإنه يحرم على المحرم أن يصيد الجراد؛ فإن صاده وجب عليه جزاء الصيد، ولا يحل للمحرم ولا لغيره أن يصيد الجراد أو ينفره في الحرم؛ فمن مشى في طريقه فنفر الجراد دون تعمد ذلك فلا حرج عليه، وأما من تعمد تنفيره فهو آثم مخالف لنهي النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال عن الحرم: "لا ينفر صيده". وماذا عن حكم أكله: أجمع أهل العلم على حل أكل الجراد، بل روى البخاري ومسلم عن ابن أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل معه الجراد، وعن ابن عمر قال: ذكر لعمر جراد بالربذة، فقال: لوددت أن عندنا منه قفعة أو قفعتين، وعند ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كن أمهات المؤمنين يتهادين الجراد. بل جاءت الرخصة في أكبر من ذلك، في حل أكله ميتًا، فيجوز أكله ولو بدون تذكية؛ كما هو قول جماهير أهل العلم، وهو الصحيح لما روى أحمد وابن ماجه عن ابن عمر بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال"، ومن أحكام أكل الجراد: • صرح أهل العلم بجواز قليه ميتاً دون إخراج ما في جوفه، ولا يتنجّس به الدّهن؛ لطهارته كما سبق. • وكره جمع من أهل العلم أن يبتلعه حيًا؛ لما فيه من التعذيب. • وأما قليه أو شيه حيًا، فقد اختلف فيه أهل العلم: فقال بعضهم: بالحرمة؛ لما فيه من تعذيب، ولا يعذب بالنار إلا رب النار، وقال بعضهم: بإباحته؛ لأنه تعذيب للحاجة؛ حيث يطول انتظار موت الجراد، واستدلوا بآثار عن بعض الصحابة في جواز ذلك، وقد سألت العلامة الشيخ علي بكير والمحدث الدكتور سعد الحميد والشيخ الفاضل أحمد المعلم فرخصوا في ذلك، وقالوا هو مستثنى من النهي، والله أعلم. لكن قبل أكل الجراد اسأل عن حاله مراكز الأبحاث الزراعية؛ فكثيرًا من الجراد القادم من الدول المجاورة يكون مرشوشًا بمواد سامة، أو حاملاً لفيروسات ضارة من بلاد موبوءة. .
الجراد عقوبة من الله: كما أن الجراد نعمة فقد يكون نقمة، هو نعمة على من ليس لهم زورع فيأكلونه كأطيب ما يكون، ونقمة على أصحاب الزروع إذ يأكل زروعهم، وتأمل ما يلي: • تأكل الجرادة يوميًا مثل وزنها، وقد يخف عليك الأمر إذا علمت أن وزنها لا يزيد على 3 جرامات، لكن تعجب إذا علمت أن 1 كم مربع يحوي 50 مليون جرادة تأكل يوميًا 100 طن من المائة الخضراء؛ أي ما يساوي 50 هكتار من القمح يوميًا؛ فكيف إذا جاءت أسراب الجراد بمساحة 300 كم مربع، اللهم سلم !! وقد عاقب الله به أقوامًا، عاقب الله به قوم فرعون، قال تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 133]، أرسل الله عليهم طوفانًا جارفًا فهدم ديارهم، ثم أرسل الجراد فأكل نباتهم، ثم أرسل القمل فقضت على حيواناتهم، ثم أرسل الضفادع فملأت أنيتهم ومضاجعهم، ثم أرسل الدم فأفسد ماء شربهم؛ فأصبحت آبارهم وأنهارهم دمًا، آيات لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسماوت، مفصلات مفرقات؛ لعلهم يرجعون، فعتوا واستكبروا وظلموا، وكانوا قومًا مجرمين. لذا جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقتلوا الجراد؛ فإنه من جند الله الأعظم"، رواه الطبراني وصححه الألباني، وصحح أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تقتلوا الجراد إلا للأكل أو لدفع ضرر"، فلا يحل قتل الجراد إلا لأمرين: إما أن يقتل لأكله والانتفاع به، وإما أن يقتل لدفع ضرره عن الناس، فأما أن يقتل لغير جلب نفع أو دفع ضر، ولكن لمجرد العبث فهو محرم، والله أعلى وأعلم. رابط الموضوع: http://www.alukah.net/web/alkathiri/0/120093/#ixzz4rH8xbwp5
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire